فصل: تفسير الآيات (236- 237):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآية رقم (225):

{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)}
{باللغو} الساقط وهو عند مالك قولك نعم والله، ولا والله، الجاري على اللسان من غير قصد، وفاقاً للشافعي، وقيل أن يحلف على الشيء يظنه على ما حلف عليه، ثم يظهر خلافه وفاقاً لأبي حنيفة وقال ابن عباس: اللغو الحلف على الشيء يظنه على ما حلف عليه، ثم يظهر خلافه وفاقاً لأبي حنيفة وقال ابن عباس: اللغو الحلف حين الغضب، وقيل: اللغو اليمين على المعصية، والمؤاخذة العقاب أو وجوب الكفارة {بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} أي قصدت، فهو على خلاف اللغو، وقال ابن عباس: هو اليمين الغموس، وذلك أن يحلف على الكذب متعمداً، وهو حرام إجماعاً، وليس فيه كفارة عند مالك خلافاً للشافعي.

.تفسير الآية رقم (226):

{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)}
{يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ} يحلفون على ترك وطئهن وإنما تعدى بمن. لأنه تضمن معنى البعد منهن، ويدخل في عموم قوله: {الذين}: كل حالف حراً كان أو عبداً، إلا أن مالك جعل مدة إيلاء العبد شهرين، خلافاً للشافعي، ويدخل في إطلاق الإيلاء اليمين الشرعية، ولا يكون مولياً عند مالك والشافعي، إلاّ إذا حلف على مدّة أكثر من أربعة أشهر، وعند أبي حنيفة أربعة أشهر فصاعداً، فإذا انقضت الأربعة الأشهر: وقف المولي عند مالك والشافعي، فإما فاءَ وإلا طلَّق، فإن أبى الطلاق: طلق عليه الحاكم، وقال أبو حنيفة: إذا انقضت الأربعة الأشهر: وقع الطلاق دون توقيف، ولفظ الآية يحتمل القولين {فَإِنْ فَآءُو} رجعوا إلى الوطء وكفَّروا عن اليمين {غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي يغفر ما في الأيمان من إضرار المرأة.

.تفسير الآية رقم (227):

{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)}
{وَإِنْ عَزَمُواْ الطلاق} العزيمة على قول مالك: التطليق أو الإباية فيطلق عليه الحاكم، وعند أبي حنيفة: ترك الفيء حتى تنقضي الأربعة الأشهر، والطلاق في الإيلاء رجعي عند مالك، بائن عند الشافعي وأبي حنيفة.

.تفسير الآية رقم (228):

{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)}
{والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ} بيان للعدة، وهو عموم مخصوص خرجت منه الحامل بقوله تعالى: {وأولات الأحمال أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]. واليائسة والصغيرة بقوله: {واللائي يَئِسْنَ مِنَ المحيض} [الأحزاب: 4]. والتي لم يدخل بها بقوله: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] فيبقى حكمها في المدخول بها، وهي سن من تحيض وقد خص مالك منها الأمة، فجعل عدّتها قرءين ويتربصن خبرٌ بمعنى الأمر {ثلاثة قرواء} انتصب ثلاثة على أنه مفعول به هكذا قال الزمخشري، وقروء: جمع قرئ وهو مشترك في اللغة بين الطهر والحيض، فحمله مالك والشافعي على الطهر لقول عائشة: الأقراء هي الأطهار، وحمله أبو حنيفة على الحيض؛ لأنه الدليل على براءة الرحم، وذلك مقصود العدّة، {مَا خَلَقَ الله في أَرْحَامِهِنَّ} يعني الحمل والحيض، وبعولتهن جمع بعل، وهو هنا الزوج {فِي ذَلِكَ} أي في زمان العدة {وَلَهُنَّ مِثْلُ الذي عَلَيْهِنَّ} من الاستمتاع وحسن المعاشرة {دَرَجَةٌ} في الكرامة وقيل: الإنفاق وقيل: كون الطلاق بيده.

.تفسير الآيات (229- 232):

{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)}
{الطلاق مَرَّتَانِ} بيان لعدد الطلاق الذي يرتجع منه دون زوج آخر، وقيل: بيان لعدد الطلاق الذي يجوز إيقاعه، وهو طلاق السنة {فَإِمْسَاكٌ} ارتجاع، وهو مرفوع بالابتداء أو بالخبر {بِمَعْرُوفٍ} حسن المعاشرة وتوفية الحقوق {أَوْ تَسْرِيحٌ} هو تركها حتى تنقضي العدة فتبين منه {بإحسان} المتعة، وقيل: التسريح هنا الطلقة الثالثة بعد الاثنتين، وروي في ذلك حديث ضعيف وهو بعيد؛ لأن قوله تعالى بعد ذلك {فَإِنْ طَلَّقَهَا} هو الطلقة الثالثة، وعلى ذلك يكون تكراراً، والطلقة الرابعة لا معنى لها {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ} الآية: نزلت بسبب ثابت بن قيس: اشتكت منه امرأته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها: أتردّين عليه حديقته، قالت: نعم فدعاه فطلقها على ذلك. وحكمها على العموم. وهو خطاب للأزواج في حكم الفدية، وهي الخلع، وظاهرها أنه: لا يجوز الخلع إلاّ إذا خاف الزوجان {أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله} وذلك إذا ساء ما بينهما وقبحت معاشرتهما.
ثم إن المخالعة على أربعة أحوال: الأول: أن تكون من غير ضرر من الزود ولا من الزوجة: فأجازه مالك وغيره لقوله تعالى: {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ} الآية [النساء: 4] ومنعها قوم لقوله تعالى: {إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله}، والثاني: أن يكون الضرر منهما جميعاً فمنعه مالك في المشهور لقوله تعالى: {وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء: 19] وأجازه الشافعي لقوله تعالى: {إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله} الثالث: أن يكون الضرر من الزوجة خاصة، فأجازه الجمهور لظاهر هذه الآية، والرابع: أن يكون الضرر من الزوج خاصة: فمنعه الجمهور لقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُّمُ استبدال زَوْجٍ} الآية [النساء: 20] وأجازه أبو حنيفة مطلقاً، وقوله في ذلك مخالف للكتاب والسنة {فَإِنْ خِفْتُمْ} خطاب للحكام والمتوسطين في هذا الأمر {فَإِنْ طَلَّقَهَا} هذه هي الطقلة الثالثة بعد الطلقتين المذكورتين في قوله: الطلاق مرتان {حتى تَنْكِحَ} أجمعت الأئمة على أن النكاح هنا هو العقد مع الدخول والوطء، لقوله صلى الله عليه وسلم للمطلقة ثلاثاً حين أرادت الرجوع إلى مطلقها قبل أن يمسها الزوج الآخر: لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك وروي عن سعيد بن المسيب أن العقد يحلها دون وطء، وهو قول مرفوض لمخالفته للحديث، وخرقه للإجماع، وإنما تحل عند مالك إذا كان النكاح صحيحاً لا شبهة فيه، والوطء مباحاً في غيرحيض ولا إحرام ولا اعتكاف ولا صيام، خلافاً لابن الماجشون في الوطء غير المباح، وأما نكاح المحلل فحرام، ولا يحل الزوجة لزوجها عند مالك، خلافاً لأبي حنيفة والمعتبر في ذلك نية المحلل لا نية المرأة، ولا المحلل له، وقال قوم: من نوى التحليل منهم أفسد {فَإِنْ طَلَّقَهَا} يعني هذا الزوج الثاني {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ} أي على الزوجة والزوج الأول {أَن يُقِيمَا حُدُودَ الله} أي أوامره فيما يجب من حقوق الزوجة {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء} الآية خطاب للأزواج، وهي نهي عن أن يطول الرجل العدة على المرأة مضارة منه لها، بل يرتجع قرب انقضاء العدّة، وليس المراد انقضاؤها، لأنه ليس بيده إمساك حينئذٍ، ومعنى {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} في هذا الموضع: قاربن انقضاء العدّة، وليس المراد انقضاؤها، لأنه ليس بيده إمساك حينئذٍ، ومعنى {أَمْسِكُوهُنَّ} راجعوهنّ {بِمَعْرُوفٍ} هنا قبل: هو الإشهاد وقيل: النفقة {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} أي لا تمنعوهن {أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} أي: يراجعن الأزواج الذين طلقوهن، قال السهيلي: نزلت في معقل بن يسار كان له أخت، فطلقها زوجها ثم أراد مراجعتها وأرادت هي مراجعته، فمنعها أخوها، وقيل: نزلت في جابر بن عبد الله وذلك؛ أنّ رجلاً طلق أخته وتركها حتى تمت عدتها، ثم أراد مراجعتها فمنعها جابر وقال: تركتها وأنت أملك بها، لا زَوَّجْتُكها أبداً، فنزلت الآية، والمعروف هنا: العدل، وقيل: الإشهاد، وهذه الآية تقتضي ثبوت حق الولي في نكاح وليه؛ خلافاً لأبي حنيفة {ذلك يُوعَظُ بِهِ} خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكل واحد على حدته، ولذلك وحد ضمير الخطاب {ذلكم أزكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ} خطاباً للمؤمنين والإشارة إلى ترك العضل، ومعنى أزكى أطيب للنفس، ومعنى أطهر: أي للدين والعرض.

.تفسير الآية رقم (233):

{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)}
{والوالدات يُرْضِعْنَ أولادهن} خبر بمعنى الأمر، وتقتضي الآية حكمين: الحكم الأول: مات وليس للولد مال: لزمها رضاعه في المشهور، وقيل: أجرة رضاعه على بيت المال، وإن مات وليس للولد مال: لزمها رضاعة في المشهور، وقيل: أجرة رضاعه على بيت المال، وإن كانت مطلقة طلاقاً بائناً: لم يلزمها رضاعه، لقوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] إلا أن تشاء هي فهي أحق به بأجرة المثل، فإن لم يقبل الطفل غيرها وجب عليها إرضاعه، وقال أبو ثور: يلزمها على الإطلاق لظاهر الآية وحملها على الوجوب، الحكم الثاني: مدة الرضاع، وقد ذكرها في قوله: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} وإنما وصفهما بكاملين؛ لأنه يجوز أن يقال في حول وبعض آخر: حولين، فرفع ذلك الاحتمال، وأباح الفطام قبل تمام الحولين بقوله تعالى: {لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرضاعة} واشترط أن يكون الفطام عن تراضي الأبوين بقوله: {فِصَالاً} الآية، فإن لم يكن على الولد ضرر في الفطام فلا جناح عليهما، ومن دعا منهما إلى تمام الحولين: فذلك له، وأما بعد الحولين فمن دعا منهما إلى الفطام فذلك له، وقال ابن العباس: إنما يرضع حولين من مكث في البطن ستة أشهر، فمن مكث بسعة فرضاعة ثلاثة وعشرون شهراً، وإن مكث تسعة فرضاعه إحدى وعشرون، لقوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وفصاله ثلاثون شَهْراً} [الأحقاف: 15] {وَعلَى المولود لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ} في هذه النفقة والكسوة: قولان: أحدهما: أنها أجرة رضاع الولد، أوجبها الله للأم على الوالد، وهو قول الزمخشري وابن العربي، الثاني: أنها نفقة الزوجات على الإطلاق، وقال منذر بن سعيد البلوطي: هذه الآية نص في وجوب نفقة الرجل على زوجته، وعلى هذا حملها ابن الفرس {بالمعروف} أي: على قدر حال الزوج في ماله، والزوجة في منصبها، وقد بين ذلك بقوله: {لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [الأنعام: 152] {لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} قرئ بفتح الراء التقاء الساكنين على النهي، وبرفعهما على الخبر، ومعناها النهي، ويحتمل على كل واحد من الوجهين أن يكون الفعل مسنداً إلى الفاعل، فيكون ما قبل الآخر مكسوراً قبل الإدغام، أو يكون مسنداً إلى المفعول، فيكون مفتوحاً، والمعنى على الوجهين: النهي عن إضرار أحد الوالدين بالآخر بسبب الولد، ويدخل في عموم النهي: وجوه الضرر كلها والباء في قوله بولدها وبولده: سببية، والمراد بقوله: {وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ} الولد، وإنما ذكره بهذا اللفظ إعلاماً بأنّ الولد ينسب له لا للأم {وَعَلَى الوارث مِثْلُ ذلك} اختلف في الوارث فقيل: وارث المولود له، وقيل: وارث الصبي لو مات، وقيل: هو الصبي نفسه، وقيل: من بقي من أبويه، واختلف في المراد بقوله: {مِثْلُ ذلك} فقال مالك وأصحابه: عدم المضارة، وذلك يجري مع كل قول في الوارث لأن ترك الضرر واجب على كل أحد وقيل المراد أجرة الرضاع في النفقة والكسوة ويختلف هذا القول بحسب الاختلاف في الوارث، فأما على القول بأن الوارث هو الصبي فلا إشكال؛ لأن أجرة رضاعه في ماله، وأما على سائر الأقوال، فقيل: إن الآية منسوخة فلا تجب أجرة الرضاع على أحد غير الوالد، وقيل: إنها محكمة فتجب أجرة الرضاع على وارث الصبي لو مات، أو على وارث الوالد، وهو قول قتادة والحسن البصري {وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تسترضعوا} إباحة لاتخاذ الغير {إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بالمعروف} أي دفعتم أجرة الرضاع.

.تفسير الآية رقم (234):

{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)}
{والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أزواجا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} الآية: عموم في كل متوفى عنها، سواء توفي زوجها قبل الدخول أو بعده، إلاّ الحامل فعدّتها وضع حملها، سواء وضعته قبل الأربعة الأشهر والعشر أو بعدها عند مالك والشافعي وجمهور العلماء، وقال علي بن أبي طالب: عدتها أبعد الأجلين، وخص مالك من ذلك الأمة فعدّتها في الوفاة شهران وخمس ليال، ويتربصن: معناه عن التزويج، وقيل: عن الزينة فيكون أمراً بالإحداد، وإعراب الذين مبتدأ، وخبره: {يَتَرَبَّصْنَ} على تقدير أزواجهم يتربصن، وقيل التقدير: وأزواج الذين يتوفون منكم يرتبصن، وقال الكوفيون: الخبر عن الذين متروك، والقصد الإخبار عن أزواجهم {فِيمَا فَعَلْنَ في أَنْفُسِهِنَّ} من التزويج والزينة {بالمعروف} هنا إذا كان غير منكر وقيل معناه الإشهاد.

.تفسير الآية رقم (235):

{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)}
{وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ} الآية: إباحة التعريض بخطبة المرأة المعتدّة، ويقتضي ذلك النهي عن التصريح، ثم أباح ما يضمر في النفس بقوله: أو أكننتم في أنفسكم {عَلِمَ الله أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ} أي تذكروهنّ في أنفسكم وبألسنتكم لم يخف عليكم وقيل: أي ستخطبونهنّ إن لم تنتهوا عن ذلك {لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً} أي لا تواعدوهنّ في العدة خفية بأن تتزوجوهنّ بعد العدة، وقال مالك فيمن يحطب في العدّة ثم يتزوج بعدها: فراقها أحب إليّ، ثم يكون خاطباً من الخطاب، وقال ابن القاسم: يجب فراقها {إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} استثناء منقطع، والقول المعروف: هو ما أبيح من التعريض: كقوله: إنكم لأكفاء كرام، وقوله: إن الله سيفعل معك خيراً، وشبه ذلك {وَلاَ تعزموا عُقْدَةَ النكاح} الآية: نهي عن عقد النكاح قبل تمام العدّة، والكتاب هنا: القدر الذي شرع فيه من المدّة، ومن تزوج امرأة في عدّتها يفرق بينهما اتفاقاً، فإن دخل بها حرمت عليه على التأبيد عند مالك؛ خلافاً للشافعي وأبي حنيفة.

.تفسير الآيات (236- 237):

{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)}
{لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النسآء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} الآية: قيل: إنها إباحة للطلاق قبل الدخول، ولما نهي عن التزويج بمعنى الذوق، وأمر بالتزوج طلباً للعصمة ودوام الصحبة ظنّ قوم أن من طلق قبل البناء وقع في المنهي عنه، فنزلت الآية رافعة للجناح في ذلك، وقيل: إنها في بيان ما يلزم من الصداق والمتعة في الطلاق قبل الدخول، وذلك أن من طلق قبل الدخول فإن كان لم يفرض لها صداقاً وذلك في نكاح التفويض: فلا شيء عليه من الصداق؛ لقوله: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النسآء} الآية، والمعنى: لا طلب عليكم بشيء من الصداق، ويؤمر بالمتعة لقوله تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} وإن كان قد فرض لها: فعلية نصف الصداق لقوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ} ولا متعة عليه، لأن المتعة إنما ذكرت فيما لم يفرض لها بقوله: أو تفرضوا أو فيه بمعنى الواو {وَمَتِّعُوهُنَّ} أي أحسنوا إليهنّ، وأعطوهن شيئاً عند الطلاق، والأمر بالمتعة مندوب عند مالك، وواجب عند الشافعي {عَلَى الموسع قَدَرُهُ} أي يمتع كل واحد على قدر ما يجد، والموسع الغني، و{المقتر} الضَّيق الحال، وقرئ بإسكان دال قدرة وفتحها، وهما بمعنى واحد وبالمعروف هنا: أي لا حمل فيه ولا تكلف على أحد الجانبين {حَقّاً عَلَى المحسنين} تعلق الشافعي في وجوب المتعة بقوله: حقاً، وتعلق مالك بالندب في قوله: على المحسنين؛ لأنّ الإحسان تطوع بما لا يلزم {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} بيان أن المطلقة قبل البناء لها نصف الصداق؛ إذا كان فُرض لها صداقٌ مسمى، بخلاف نكاح التفويض {إِلاَّ أَن يَعْفُونَ} النون فيه نون جماعة النسوة: يريد المطلقات، والعفو هنا بمعنى الإسقاط، أي للمطلقات قبل الدخول نصف الصداق، إلاّ أن يسقطنه، وإنما يجوز إسقاط المرأة إذا كانت مالكة أمر نفسها {أَوْ يَعْفُوَاْ الذي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النكاح} قال ابن عباس ومالك وغيرهما: هو الوالي الذي تكون المرأة في حجره كالأب في ابنته المحجورة، والسيد في أمته، فيجوز له أن يسقط نصف الصداق الواجب له بالطلاق قبل الدخول، وأجاز شريح إسقاط غير الأب من الأولياء، وقال سقط عنه من الصداق، ولا يجوز عندهما أن يسقط الأب النصف الواجب لابنته، وحجة مالك أن قوله تعالى: {وَأَن تعفوا أَقْرَبُ للتقوى} فإن الزوج إذا تطوّع بإعطاء النصف الذي لا يلزمه فذلك فضل، وأما إسقاط الأب لحق ابنته فليس فيه تقوى؛ لأنه إسقاط حق الغير {وَلاَ تَنسَوُاْ الفضل بَيْنَكُمْ} قيل إنه يعني إسقاط المرأة نصف صداقها أو دفع الرجل النصف الساقط عنه واللفظ أعم من ذلك.